مدى مشروعية قرارات محاكم الأحوال الشخصية بشأن الحضانة في ضوء الالتزامات القانونية المتعلقة بالمصلحة الفضلى للمحضون
مدى مشروعية قرارات محاكم الأحوال الشخصية بشأن الحضانة في ضوء الالتزامات القانونية المتعلقة بالمصلحة الفضلى للمحضون
الأحوال الشخصية
إن القضاء في مسائل الأحوال الشخصية لا سيما ما يتعلق بحضانة الأولاد يُعد من أكثر مجالات القضاء حساسية وتعقيدًا لما له من ارتباط مباشر بمصير الطفل النفسي والاجتماعي وما يترتب عليه من آثار بعيدة المدى في تربيته وتنشئته. وتقتضي هذه الدعاوى أن تُبنى على معايير دقيقة ومنهجية علمية تتسق مع النصوص القانونية الصريحة ومقتضيات العدالة ومصلحة المحضون على وجه الخصوص.
وفي هذا السياق يُثار الإشكال القانوني المتعلق بما يصدر عن محاكم الأحوال الشخصية – كمحكمة الأحوال الشخصية في مدينة الصدر – في بعض قراراتها بشأن انتزاع الحضانة استنادًا فقط إلى رأي المجلس العلمي في ديوان الوقف الشيعي دون استكمال بقية الإجراءات الجوهرية التي أوجب القانون إجراؤها قبل إصدار القرار وهو ما يُعد مخالفة صريحة لأحكام القانون وروحه.
فقد نصّت الفقرة (ثانيًا/٣) من المادة (٢) من القانون على ما يلي:
“يلتزم المجلس العلمي عند وضعه مدونة الأحكام الشرعية في مسائل الأحوال الشخصية بضمان عدم النص على تحديد حق حضانة الأم للولد – ذكراً كان أو أنثى — بأقل من سبع سنوات أو ما لا ينسجم مع مصلحة المحضون ومن ليس له حق الحضانة من أبويه في اللقاء والتواصل بينهما بالمقدار المناسب واللائق مدة ومكاناً.”
وهذا النص يوضح وبما لا يدع مجالًا للشك أن المحكمة – وعند نظرها في دعاوى انتزاع الحضانة – ملزمة بمراعاة أمرين أساسيين:
- عدم انتزاع الحضانة من الأم قبل بلوغ المحضون سن السابعة ما لم تتعارض الحضانة مع مصلحة المحضون بصورة جلية ومؤيدة بالأدلة.
- أن تُبنى قرارات الحضانة على معايير موضوعية تتضمن دراسة مصلحة المحضون بشكل دقيق لا سيما فيما يتعلق بأهلية الأبوين نفسيًا واجتماعيًا لرعاية الطفل.
ومن هذا المنطلق فإن الاقتصار على اعتماد إجابة المجلس العلمي دون إجراء:
• كشف من قبل مكتب البحث الاجتماعي للطرفين.
• عرض الأبوين على لجنة طبية نفسية مختصة لتقييم أهلية كل منهما؛
• الكشف الميداني على دور السكن للطرفين.
• الاستماع إلى الشهود وأقوالهم بشأن سلوك وأهلية الأبوين.
يُعد إخلالاً جسيماً بحقوق الخصوم وتفريطًا في مصلحة المحضون وتجاوزًا لمبدأ التدرج الإجرائي الذي أوجبه القانون لتحقيق العدالة الواقعية وليس فقط الشكلية.
كما أن اعتماد إجابة المجلس العلمي وحدها والتي تقتصر عادة على بيان الأحكام الشرعية العامة دون فحص موضوعي دقيق لظروف كل حالة لا يُعد كافيًا قانونًا ولا واقعيًا لاتخاذ قرار مصيري كقرار انتزاع الحضانة ما دام أن المعيار الأسمى هو “مصلحة المحضون” وهو معيار لا يمكن الوقوف عليه إلا عبر خبرات متعددة الجوانب نفسية واجتماعية وطبية وليس الفقهية فقط.
وبناء عليه فإن مثل هذه القرارات القضائية تُعد مخالفة لصريح القانون وتفتقر إلى الركائز القانونية السليمة، مما يفتح المجال للطعن بها أمام محكمة التمييز وفقًا للأصول سواء من حيث الخطأ في تطبيق القانون أو قصور التسبيب أو الإخلال بحق الدفاع.
لذا فان إن حماية مصلحة الطفل هي جوهر تشريع الحضانة وهي الغاية التي ينبغي أن تدور حولها جميع الإجراءات والقرارات.
فلا يجوز للمحكمة أن تتخلى عن دورها التحقيقي والاستقصائي لصالح اعتماد رأي واحد غير كافٍ علميًا وعمليًا. وعليه، فإن واجب المحكمة – قانونًا وأخلاقًا – أن تستكمل الإجراءات المنصوص عليها قانونًا قبل إصدار أي قرار يتعلق بحضانة طفل لأن في ذلك حفظًا للعدالة وصونًا لحقوق المحضون وامتثالًا لمبادئ الشريعة والقانون.
كتب بقلم
المحامي د سيف الشمري